قم بمشاركة المقال
للمرة الأولى، توصّل علماء إلى أن يحدّدوا بدقّة، عدداً كبيراً من الجينات المرتبطة بشكل وثيق باضطراب "عُسر القراءة" أو "ديسلكسيا" [أحد أنواع اضطرابات التعلّم، يتمثّل في مواجهة الدماغ صعوبات في الربط ما بين أصوات الحروف والكلمات وبين أشكالها المكتوبة].
وبصورة عامة، يعرف عن عُسر القراءة أنه يسري بصورة عائلية، ما يعني أن أسبابه تعود في جزء منها إلى عوامل وراثية. لكن حتى الآن، لم يكن تتوفر معرفة واسعة ودقيقة عن الجينات المحدّدة التي ترتبط بـ"ديسلكسيا" وتطوّره. في المقابل، يرى الفريق العلمي الذي أنجز هذا البحث الأخير، إنه أجرى أكبر دراسةٍ وراثية تتعلّق بعسر القراءة حتى الآن.
اقرأ أيضاً
قادت الدراسة "جامعة إدنبره" في اسكتلندا. وشملت أكثر من 50 ألف شخص بالغ، شُخِّصَت معاناتهم صعوبات في التعلّم، إضافة إلى أكثر من مليون بالغ ليس لديهم تلك المعاناة. وأجرى الباحثون اختباراتٍ بغية تحديد العلاقة التي تجمع ما بين ملايين التنوّعات الجينية وبين اضطراب عُسر القراءة. وتوصّلوا إلى 42 تنوّعاً جينيّاً مهماً.
وكانت دراساتٌ سابقة قد كشفت عن أن نحو ثلث تلك التنوّعات الجينية ترتبط بمستويات القدرة المعرفية العامّة والتحصيل الدراسي، بالإضافة إلى أن بعضها يرتبط بحالاتٍ أخرى تتعلّق بالنمو العصبي كالتأخّر في تعلّم اللغة، وتراجع مهارات التفكير والتحصيل الأكاديمي.
اقرأ أيضاً
واستكمالاً، لم يجرِ تحديد مجموعة كبيرة من تلك التنوّعات الجينية إلا قبل أوقات قريبة من الحاضر. ويمكن أن تكون متعلقة بجيناتٍ ترتبط على نحو أكثر تحديداً بالعمليات الأساسية في تعلّم القراءة.
كذلك يُشار إلى أن كثيراً من التنوّعات الجينية المتصلة بـ"ديسلكسيا" أظهرت أهميتها لدى عيّنة من الأفراد تتحدّث الصينية، ما يؤشّر إلى وجود عمليّاتٍ معرفية عامّة في تعلّم القراءة، لا تعتمد على نوع اللغة.
اقرأ أيضاً
ويوضح معدّو الدراسة أن النتائج التي توصّلوا إليها ونُشرت في مجلّة "نايتشر جينيتيكس" ، تساعدهم على فهمٍ أفضل للعمليات البيولوجية الكامنة وراء الصعوبة التي يجدها بعض الأطفال في القراءة أو التهجئة.
وكذلك بيّنوا أن عدداً من الجينات المتعلّقة بعُسر القراءة، ترتبط أيضاً باضطراب عصبي- نفسي يسمّى "نقص الانتباه وفرط النشاط".
اقرأ أيضاً
وتبيّن أيضاً وجود تداخل أقلّ بكثير بين الجينات المرتبطة بعُسر القراءة، وبين الاضطرابات النفسية وظروف الحياة والأحوال الصحّية.
في السياق نفسه، لفتت ميشيل لوتشيانو من "كلّية الفلسفة وعلم النفس وعلوم اللغة" التابعة لـ "جامعة إدنبره"، وهي الباحثة التي قادت الدراسة، إلى أن البحث يلقي الضوء على مجموعة من الأسئلة التي لم تتوفر إجابة عنها من قَبْل حول عسر القراءة.
ووفق لوتشيانو، "تُظهر النتائج التي توصّلنا إليها، أن التنوّعات الجينية الشائعة لها تأثيرات متشابهة للغاية لدى الأولاد والبنات وثمة ارتباط وراثي بين عسر القراءة وقدرة الأفراد على استخدام كلتا اليدين بالمهارة نفسها، ما يشار إليه بمصطلح أمبيدكستريتي.
ووفق لوتشيانو، "ثمة بحوث سابقة أشارت إلى أن بعض التراكيب في الدماغ قد تكون مختلفة لدى الأشخاص المصابين بعُسر القراءة، إلا أننا لم نجد دليلًا على أن الجينات تفسّر ذلك".
وأضافت لوتشيانو، "تشير النتائج التي توصّلنا إليها أيضاً إلى أن عسر القراءة يرتبط بشكل وثيق من الناحية الوراثية، بالأداء في اختبارات القراءة والتهجئة، الأمر الذي يعزّز أهمية إيجاد اختبار معياري موحد في التعرف إلى وجود عُسر القراءة".
يشار أخيراً إلى أن الباحثين الرئيسيّين الآخرين في الدراسة جاؤوا من "معهد ماكس بلانك لعلم اللغة النفسي" في هولندا، و"معهد ’كيو آي أم آر برغوفر للأبحاث الطبّية" في أستراليا، وشركة "23 أند مي" في الولايات المتّحدة الأميركية.