قم بمشاركة المقال
التبرع بالدم على نحو منتظم قد يساعد في خفض مستويات مركبات كيماوية صناعية سامة تُسمّى بـ"مواد كيماوية أبدية" forever chemicals تتراكم في الجسم وفق دراسة حديثة.
وبصورة عامة، توجد هذه المواد الكيماوية، المعروفة بمصطلح "بي أف آي أس" PFAS ، اختصاراً لعبارة "مواد بيروفلورو ألكيل والبولي فلورو ألكيل"، في الأدوات والأدوات المنزلية الشائعة الاستخدام من قبيل المقالي غير اللاصقة والمواد المقاومة للبقع أو الماء، والدهانات، وكذلك السجاد والملابس، ولها علاقة بمجموعة من التأثيرات الصحية السلبية.
اقرأ أيضاً
كذلك تحتوي رغاوي مكافحة الحرائق القديمة على مواد "بي أف آي أس"، وقد أظهرت دراسات أنه مقارنة بعامة السكان، يحمل رجال الإطفاء مستويات أعلى من هذه الكيماويات، بحسب ما تبدّى لدى فحص عينات من دمائهم.
وكذلك أظهر بحث سابق أن هذه المواد الكيماوية، وفق ما يوحي اسمها [مواد كيماوية أبدية]، لا تتحلل بشكل طبيعي أبداً، إذ تلحق هذه المواد أضراراً بالرئتين مسببة الربو، ومعروف أنها تؤدي إلى الإصابة بالسرطان. كذلك ربطت دراسات عدة مواد الـ"بي أف آي أس" مع ضعف الاستجابة المناعية والسمنة المفرطة وتغيرات في وظائف الكبد ومجموعة من الأمراض الأخرى.
اقرأ أيضاً
ووفق ما أوضح الباحث المشارك في الدراسة مارك تايلور في تصريح أدلى به إلى شبكة "أي بي سي نيوز" التلفزيونية الأميركية أن "رجال الإطفاء يقولون ’لا نريد هذه المواد الكيماوية في أجسامنا، لا نريد أن نكون خنازير تجارب لنرى ما الذي سيحدث لنا في غضون 10، أو 20، أو 30 سنة. لنتخلص منها‘".
في ذلك الصدد، أشارت الدراسة الجديدة التي شارك فيها نحو 300 رجل إطفاء أسترالي، إلى أن التبرع الدوري بالدم ومادة البلازما الموجودة فيه، يساعدان في تنظيف الجسم من هذه المواد الكيماوية المضرة.
اقرأ أيضاً
ففي البحث الذي نُشر الأسبوع الماضي في مجلة "جاما نتوورك أوبن" JAMA Network Open، أجرى العلماء تقييماً لـ285 شخصاً من الموظفين والمتعاقدين في "فريق الإنقاذ من الحرائق في فيكتوريا" الذين ترتفع في أجسامهم مستويات "حمض بيرفلوروأوكتان سلفونيك" (اختصاراً "بي أف أو أس" PFOS)، علماً أنه نوع شائع من الـ "بي أف آي أس" يُستخدم في بعض رغاوي مكافحة الحرائق.
اقرأ أيضاً
اختار الباحثون الذين جاء بعضهم من "جامعة ماكواري" في أستراليا، 95 مشاركاً بشكل عشوائي للتبرع ببلازما الدم كل ستة أسابيع، و95 للتبرع بالدم الكامل كل 12 أسبوعاً، و95 مشاركاً كمجموعة ضبط تخضع للمراقبة طوال 12 شهراً.
ثم حلل الباحثون مستويات الـ"بي أف آي أس" لدى المشاركين على أربع فترات مرة عند التوظيف، وأخرى في بداية التجربة، وثالثة بعد مرور 12 شهراً من اتباع خطة العلاج الخاصة بهم، ورابعة بعد ثلاثة أشهر.
وبالنتيجة، وُجد أن التبرع بالبلازما يُعتبر التدخل الأكثر فاعلية، وفق ما أوضح العلماء، إذ أدى إلى تراجع متوسط مستويات "حمض بيرفلوروأوكتان السلفونيك" في الدم بمقدار 2.9 نانوغرام لكل ملليلتر، في مقابل انخفاض بنسبة 1.1 نانوغرام لكل ملليلتر في حالة التبرع بالدم، وهو "فارق كبير" بالطبع.
وقد تبيّن أن المشاركين الذين بلغت مستويات الـ"بي أف أو أس" في مصل الدم لديهم خمسة نانوغرام أو أكثر لكل ملليلتر، كانوا يستوفون شروط التبرع بالدم، لكنهم عزفوا عن ذلك في الأشهر الثلاثة السابقة للدراسة.
وكتب العلماء في موقع "ذا كونفرزيشين" أن التبرع بالبلازما شكّل الطريقة الأكثر كفاءة، إذ أدى إلى انخفاض بـ30 في المئة تقريباً في متوسط تركيزات مواد "بي أف آي أس" السامة في مصل الدم خلال فترة التجربة التي امتدت 12 شهراً".
وأوضح الباحثون أن الانخفاض في مستويات المواد الكيماوية السامة كان مرجحاً لأن الـ"بي أف آي أس" ترتبط ببروتينات موجودة في مصل الدم بشكل أساسي.
وأشار العلماء إلى أن "هذه الدراسة تقدّم السبيل الأول للأفراد المتضررين كي ينظفوا أجسامهم من الـ’بي أف آي أس‘، ومعالجة آثار تعرضهم لهذه المواد الكيماوية المضرة".
كذلك أوضح الباحثون أن التبرع ببلازما الدم تحديداً كان على الأغلب أكثر فاعلية بالمقارنة مع التبرع بالدم لأن رجال الإطفاء في المجموعة الأولى [بلازما الدم] تبرعوا كل ستة أسابيع، بينما تبرع المشاركون في المجموعة الأخيرة [التبرع بالدم] كل 12 أسبوعاً.
واستطراداً، أضاف الباحثون أن "تركيزات الـ’بي أف آي أس" في بلازما الدم أعلى بمقدار مرتين تقريباً منها في الدم، ما يجعل التبرع ببلازما الدم أكثر كفاءة في خفض حمولة الجسم من هذه المواد الكيماوية".
ومع ذلك، أشار العلماء إلى ضرورة النهوض ببحوث إضافية بغية الوقوف على عدد المرات المثالية من التبرع (بالدم أو بلازما الدم) والكميات التي ينبغي أخذها من المتبرعين كي تعطي فاعلية في خفض مستويات الـ"بي أف آي أس"، من ثم "الموازنة بين كفاءة العلاج من جهة والعقبات التي تحول دون التبرعات المتكررة من جهة أخرى".
أما بالنسبة إلى من يتلقون مكونات الدم المتبرع بها، فيرى الباحثون أنه لم يتبيّن أن الحد الأقصى المقبول من المواد الكيماوية "بي أف آي أس" يشكل خطراً متزايداً.
في المقابل، كتب العلماء أن دراستهم "لم تتحقق من هذا الخطر، إنما ينبغي على الهيئات المعنية بإمدادات الدم أن تستمر في مراقبة الآثار الصحية المحتملة التي تطرحها مواد الـ’بي أف آي أس‘، والنظر أيضاً في أي تبعات لمستويات الـ’بيروفلورو ألكيل والبولي فلورو ألكيل‘ المرتفعة في أجسام المتبرعين بالدم".
في الحقيقة، "غالباً ما يؤثِر رجال الإطفاء صحة الآخرين وسلامتهم على صحتهم، لذا يبعث على الارتياح أن يكون من المستطاع استخدام نتائج هذا البحث في تحسين صحة رجال الإطفاء الذين دخلت إلى أجسامهم مستويات عالية من مواد الـ’بي أف آي أس‘ عن طريق عمل مجتمعي بالغ الأهمية"، بحسب ميك تيسبوري، مساعد رئيس موظفي الإطفاء في "فريق الإنقاذ من الحرائق في فيكتوريا".
وفق البحث ذاته، لا بد أيضاً من إجراء مزيد من الدراسات بغية فهم الآثار السريرية المترتبة على خفض مستويات الـ"بي أف آي أس" في الجسم.