شاب سوري في عمر الزهور ذهب للبحث عن " الفقع " وسط صحراء البادية ليتفاجئ بـ"ثقب أسود" جعله يفقد حياته على الفور!

شاب سوري في عمر الزهور ذهب للبحث عن " الفقع " وسط صحراء البادية ليتفاجئ بـ"ثقب أسود" جعله يفقد حياته على الفور!
محمد رحيم 2024/04/17, 01:30 ص

"الثقب الأسود".. حرب "الكمأة" تحتدم في البادية السورية و تحصد عشرات الضحايا..

" الفقع" كما يطلق عليها بالسعودية ودول الخليج، والمعروفة بثمرة الكمأة ما إن تطل برأسها في بادية الشام الواسعة حتى يشحذ آلاف السوريين كبارا وصغارا، أدواتهم لاستخراج وجني ما تيسر لهم من هذا المحصول المبارك بأمطار السماء.

إلا أن سكاكين المتربصين وذخائر الحرب غير المتفجرة تأبى إلا أن تفعل فعلها وتجعل من مصدر الرزق هذا مغمساً بالدم .

ثمة "كنز" ينبت على مساحات شاسعة تمثل ثلث مساحة البلاد تم اكتشافه أخيرا، ففتح نافذة أمل أمام آلاف العائلات الفقيرة والمعدمة، إلا أنه فتح أيضا شهية أمراء الحرب على "استثمار" بات يدر ملايين الدولارات حتى تحول إلى سبب آخر للصراع بين الأطراف المتقاتلة على الجغرافيا السورية.

عداد الموت..

لا يتوقف عداد الموت عن الدوران في سوريا رغم مرور 13 عاما على بدء الأزمة في هذا البلد الذي شهد أقسى أنواع القتل والتدمير. وعلى الرغم من الهدوء النسبي للجبهات منذ عام 2018 وتثبيت مناطق السيطرة بين مختلف القوى المتصارعة، إلا أن الموت ما زال يحصد سنويا، أرواح المئات من السوريين الذين يتنازعون للبقاء في ظل أسوأ أزمة اقتصادية تعيشها البلاد منذ استقلالها.

في البادية السورية أو ما بات يعرف بـ"الثقب الأسود" يتسبب انفجار الألغام وذخائر مخلّفات الحرب في مقتل روّاد هذه الأراضي المترامية الأطراف من رعاة الأغنام وجامعي فطر الكمأة، الباحثين عن مصدر رزق لهم في هذا الوقت من السنة.

عشرات الضحايا

تتحدث وسائل إعلام سورية عن 18 مدنيا بينهم طفلان، قتلوا في سوريا في فبراير/شباط الماضي، خلال جني محصول الكمأة، فيما يقدر خبير عسكري سوري أعداد من سقطوا منذ الموسم الماضي حتى اليوم بأكثر من 170 قتيلا.

وتكررت خلال السنوات الماضية حوادث مقتل سكان من البادية والمدن والبلدات المتاخمة لها شرقي سوريا خلال بحثهم عن الكمأة نتيجة انفجار ألغام أرضية أو هجمات من قبل تنظيم "داعش" وميليشيات تتبع لإيران.

وخلال السنوات الماضية باتت رحلة البحث عن الكمأة في سوريا تنطوي على مخاطر تصل إلى حد الموت للوصول إلى هذه الثمرة التي تنمو على امتداد البادية السورية في أرياف حمص وحماة (وسط) ودير الزور والرقة (شرق)، والبالغة مساحتها نحو 60 ألف كيلومتر مربع.

وبعد أن كان جمع الكمأة متاحا لسكان البادية والمدن والبلدات المتاخمة لها، وعادةً ترافق سقوط الأمطار كل عام، فإن هذا الطقس تأثر بالصراع على النفوذ العسكري بين الأطراف المتناحرة في هذا البلد.

وبحسب مصادر تعمل في جمع الكمأة، يتطلب البحث عنها وقطفها موافقات أمنية من الجهة التي تسيطر على الأرض، وهي قوات "الدفاع الوطني" الرديفة للقوات الحكومية، والميليشيات التابعة لإيران، و "قوات سوريا الديمقراطية".

لكن هذه الموافقات لا تحمي صاحبها من الموت بالألغام الأرضية، أو سلب المال والكمأة في أحسن الأحوال.

تحت السيطرة أو خارجها
أسواق بيع الكمأة
أسواق بيع الكمأةإرم نيوز
الخبير العسكري السوري علي مقصود يقول لـ "إرم نيوز" إن الكمأة سلعة غذائية نادرة ولها موسم لا يتجاوز الثلاثة أشهر، وهي تنبت في بادية حماة وشرق تدمر وصولا إلى دير الزور، وهذه المنطقة غير مؤمنة تحت حماية الدولة، ولذلك يتم استهداف من يعمل بها.

ويضيف مقصود سببا آخر لسقوط قتلى أثناء جني الكمأة، فيقول "من يعملون بجمعها يتحركون دون إخبار اي جهة أمنية أو شرطية، وهمهم جمع أكبر كمية ممكنة وبيعها من أجل توفير قوت عائلاتهم، لكنهم يعرضون أنفسهم للموت المباشر دون رحمة".

ويلفت الخبير العسكري إلى أن "الدولة تؤمن الحماية حسب استطاعتها، وفي أماكن سيطرتها، لكن تنظيم "داعش" يقتنص فرصة حاجة هؤلاء فيعمد إلى ملاحقتهم وقطع مصدر رزقهم ومنعهم من العمل فيها مرة أخرى."

ويوضح أن عناصر "داعش" وأعوانه يرصدون المناطق التي تحوي الكمأة، لكسب المحصول والاستيلاء على إنتاجه، تماما كما فعلوا سابقا مع مصادر الطاقة التي استولوا عليها كآبار النفط والغاز.

ويقدر مقصود أعداد المدنيين الذين سقطوا في رحلة البحث عن الثمرة منذ العام الماضي حتى الآن بأكثر من 170 قتيلا.

"اقتصاد الكمأة"
موسم جمع الكمأة
موسم جمع الكمأةأ ف ب
الخبير الاقتصادي السوري عمار يوسف، يلفت إلى الجانب الاقتصادي أو ما يسميه "اقتصاد الكمأة" والتنافس الكبير بين الأطراف المتصارعة على "كنز تم اكتشافه" في العامين الأخيرين.

وتقدر بعض الإحصائيات غير الرسمية حجم "اقتصاد الكمأة" في سوريا بنحو نصف مليار دولار، وهو رقم هائل في بلد تراجع ناتجه الإجمالي بشكل حاد خلال سنوات الحرب، وبات أكثر من 90% من سكانه يرزحون تحت خط الفقر.

ورغم أن الخبير يوسف لا يقدم رقما تقريبيا لما تدره الكمأة من أرباح، إلا أنه يصف أرباحها بأنها "هائلة". ويكشف يوسف عن أن محصول الكمأة في مناطق سيطرة الحكومة تم استثماره من إحدى الشخصيات النافذة والذي يدير مقاولين يديرون بدورهم مجموعات من العمال، مضيفا أنه عند الاختلاف مع المستثمر على ثمن بيع المحصول من قبل جامعيه قد تتم تصفيتهم، ليلصق الأمر بتنظيم "داعش" الذي لا يقصر هو الآخر في استهداف هؤلاء.

ويشرح الخبير الاقتصادي بأن هذا العمل مربح جدا "رأس مال صغير وأرباح كبيرة جدا"، مشيراً إلى أن أسعار الكمأة مرتفعة جدا نتيجة ظروف إنتاج وجمع المحصول.

ويقول "خلال الفترة الماضية لم يتم الالتفات إلى أهمية هذا المحصول وبقي في الأرض بسبب الأحداث التي عاشتها مناطق انتشاره، ولكن منذ العام الماضي تم الاهتمام به نتيجة أرباحه "الهائلة" وتضاعف الإنتاج بشكل كبير.

ويذكر يوسف بأن البادية السورية من أهم وانظف أماكن الكمأة في العالم، حيث يتم تصديرها إلى جميع دول العالم، وعلى رأسها السعودية ودول الخليج الأخرى، وكذلك فرنسا وإيطاليا حيث تعد الكمأة مكونا أساسيا في المطبخ الإيطالي.

رغم الخطر..

وعلى الرغم من كل حوادث القتل والاستهداف التي شهدتها مواطن "الكمأة"، إلّا أنّ ذلك لم يمنع السوريين الفقراء من الخروج دائماً للبحث عنها في البادية، بسبب سعرها المرتفع الذي يصل سعر الكيلو غرام الواحد لبعض الأنواع منها إلى 25 دولارا (350 ألف ليرة سورية)، وهو ما يدفع بعضهم في ظل الظروف المعيشية الصعبة إلى المغامرة في "رحلة موت" للحصول على القليل منها وبيعها في الأسواق.

ولأنّ المخاطر كبيرة في البادية السورية، يتحرّك الباحثون أو عمّال جنيها بحذرٍ شديد، كما يقول أحدهم لـ"إرم نيوز": "نحمل معنا أسلحةً فردية بهدف حماية أنفسنا من بعض الهجمات التي قد يشنّها لصوص وقطّاع طرق."

لكن حمل السلاح، وفق قوله، وإن كان للحماية الذاتية في مناطق سيطرة "قسد" أو الميليشيات التابعة لإيران، يعرّض البعض للاعتقال بتهمة الانتماء لـ"خلايا داعش"، "في حين أنّ الهدف الفعلي من ذلك، هو مصادرة كلّ كميات الكمأة التي جنيناها" كما يؤكد.

تعتبر الألغام والذخائر المتفجرة أحد أكثر مسببات الموت والإعاقة في سوريا بعد توقف القتال على الجبهات، ويمثل المزارعون ورعاة الأغنام والباحثون عن الكمأة النسبة الأكبر من الضحايا.

ونشر مكتب برنامج الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، منتصف العام 2022، تقريراً تحت عنوان: "الذخائر المتفجرة في سوريا- التأثير والعمل المطلوب"، قال فيه إنّ نصف سكان سوريا معرضون لخطر المتفجرات.

وأشار التقرير إلى أنّ نحو 50% من المقيمين داخل سوريا مهددون بالتعرض لانفجار نحو 300 ألف ذخيرة متفجرة فشلت في الانفجار خلال الحرب.

وذكرت الشبكة السورية لـ حقوق الإنسان في تقريرها الصادر بمناسبة "اليوم الدولي للتوعية بخطر الألغام"، مطلع نيسان 2022، أن سوريا من أسوأ دول العالم في كمية الألغام المزروعة والمجهولة الموقع، مشيرة إلى مقتل 2829 مدنياً - بينهم 699 طفلاً - وإصابة آلاف آخرين، منذ آذار 2011.


* علي حسون - ارم نيوز