قم بمشاركة المقال
يترقب اللبنانيون مفاعيل رفع تعرفة الكهرباء للمرة الأولى منذ تسعينيات القرن الماضي، ومفارقة القرار أنه يترافق مع انقطاع الكهرباء لنحو 22 ساعة يوميا، ما يطرح التساؤلات حول مدى تجاوب المواطنين مع تسديد فواتير للدولة بأكثر من 10 أضعاف.
وفيما يختزل ملف الكهرباء تركيبة فساد مالي وإداري عمره أكثر من 30 عاما، تحقق "كهرباء لبنان" عبر رفع التعرفة أحد شروط البنك الدولي للحصول على تمويل قرضي استجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري، وهي ما زالت عاجزة عن تنفيذ شروط أخرى، بفعل الصراعات السياسية، وعلى رأسها تعيين هيئة ناظمة مستقلة للكهرباء
.ويترافق رفع التعرفة مع وعود بزيادة التغذية الكهربائية بين 8 و10 ساعات يوميا، بعدما لاحق شبح العتمة سكان لبنان طوال عقود، وأغرقهم بظلام دامس بلغ ذروته في 2022. وهكذا، يقع غالبية السكان بمصيدة أصحاب المولدات الخاصة الذين يوفرون التيار الكهربائي لساعات محددة بكلفة باهظة بالدولار الأميركي، بينما استغنت عشرات آلاف الأسر بالأحياء الفقيرة والمخيمات عن الكهرباء، مقابل تنامي الطلب على الطاقة الشمسية التي انتشرت عشوائيا، وما زالت خيار الأسر المتوسطة والميسورة، في بلد دفعت الأزمة أكثر من 85% من سكانه إلى الفقر.ما أسباب وخلفيات رفع أسعار الكهرباء؟
تاريخيا، يشكو لبنان من فجوة كبيرة بين سعر تعرفة الكهرباء وسعر كلفتها، ومنذ عام 1994، عمدت الدولة تحت شعار "دعم الكهرباء"، إلى تثبيت تعرفتها بالليرة بما يوازي 8 سنتات للكيلووات حين كان سعر صرف الدولار ثابتا عند 1507 ليرات رسميا، وهي تعرفة تآكلت قيمتها بفعل الانهيار المدوي لليرة، فصارت قيمتها بأقل من نصف سنت.
وقبل نحو 30 عاما أيضا، كان سعر برميل النفط عالميا لا يتجاوز 22 دولارا، فتصاعد حتى قارب بعد الحرب الروسية على أوكرانيا معدل 100 دولار، وكانت الدولة تستدين من مصرف لبنان المركزي حتى تمول من خزينتها الفارق بين سعري إنتاج الكهرباء وبيعها للمستهلك
.تقول المديرة العامة للنفط في وزارة الطاقة والمياه أورور فغالي، إنه وبعد المشاورات مع وزارة المالية وحاكم مصرف لبنان المركزي، أطلقت 3 مناقصات لشراء الوقود لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، وتأمين مشتقات النفط اللازمة لتشغيل معامل إنتاج الطاقة التابعة للمؤسسة، بمعدل تغذية كهربائية من 8 إلى 10 ساعات يوميا، وتتوقع تحقيق ذلك في ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وقالت فغالي إن الدفع للشركات بالدولار سيكون مؤجلا بكفالة من المركزي، إلى حين تأمين أول جباية وفق التعرفة الجديدة.
وواجهت وزارة الطاقة والحكومات المتعاقبة اتهامات بهدر الأموال وعدم تنفيذ المشاريع الإصلاحية للكهرباء، وإغراق البلاد بالمديونية نتيجة مناقصات البواخر وشراء الوقود من دون تحسين التغذية الكهربائية، وشاركت في ذلك كل الأحزاب السياسية بالحكومات المتعاقبة.
وتولى حقيبة الطاقة والمياه 16 وزيرا، من قوى بارزة، وفي طليعتها التيار الوطني الحر (برئاسة جبران باسيل) الذي أدار فريقه وزارة الطاقة على مدار 12 عاما.وقالت فغالي إن "زيادة التعرفة ستكون كلفتها على المواطن أقل من نصف ما يسدده للمولدات الخاصة التي تجني الأرباح، بينما الدولة لا تبغي الربح".
وينتظر لبنان تنفيذ مشروع جلب الكهرباء من الأردن والغاز من مصر عبر سوريا، ووقعت الاتفاقيات مع البلدين بموجب قرضين من المفترض أن يمنحهما البنك الدولي للبنان بمعدل 600 مليون دولار للمشروعين، وكان منتظر تنفيذهما مطلع العام الجاري، وأن يسهما بتوفير نحو 6 ساعات إضافية من الكهرباء.
وما يعيق المشروعين، بحسب فغالي، أن واشنطن لم تمنح الأردن ومصر إعفاء رسميا خطيا من عقوبات قانون "قيصر" الذي يحظر التعامل مع السلطات السورية.
وتردف بأن الأولوية راهنا، لتنفيذ خطة كهرباء لبنان التي "يتوقف نجاحها عند التزام المواطن بدفع التعرفة الجديدة لتغطية نفقات الكهرباء، أو سيكون مصيرها الفشل".
تحديات المشروع
ويولد لبنان معظم الطاقة الكهربائية عبر 7 معامل حرارية تشكو من الأعطال والتقادم وضعف الإنتاج، وتم تشييدها قبل عام 2000، أولها معمل الجية (1970)، وأحدثها معملا الزهراني ودير عمار (1998).
وهنا، يقول الخبير الاقتصادي علي نور الدين، إن الخطة الجديدة لكهرباء لبنان ترتكز على أساسيين:
تحديد التعرفة بالدولار رغم استيفائها المتحرك بالليرة بحسب سعر منصة صيرفة.
تعديل قيمة التعرفة بما يوازي سعر برميل النفط عالميا، لضمان توفير الوقود.لهذا كان لازم على البنوك العاملة بسوق الصرافة المصري تنفيذ القرار ورفع الفائدة على الأوعية المالية والادخارية ورفع الفائدة لتتماشي مع قرار المركزي، لهذا قرر البنك التجاري الدولي CIB رفع الفائدة على الشهادة الثلاثية الثابتة Premium بنسبة 1% فقط لتصبح 15% بدلًا من 14%.